السبت، 21 فبراير 2009

في بطن الحوت (قصة قصيرة)

في بطن الحوت
سار مختالا مثل الفرس المزهو بنفسه، و في يده تلك التى يحتضنها بقوة... حقيبة يده التى بها جواز سفره و عبوره إلى العالم المنفتح .. و الثروة التى ليس لها حدود ... لم يلحظ أنه مبعثر الهيئة و غير مهندم ... حيث كان يرتدى أفضل ملابسه على الإطلاق ، على الأقل بالنسبة له ... رمق فتانا الوسيم بنات حارته في سخرية ، و هو يجتاز نهر فينسيا الذى فى شارعه ، و يتواثب على قطع البلاط ، التى وضعوها للماره... الشىء الذى يوضح للناظر أحقيته في الفوز بالميدلية الذهبية للوثب في الأوليمبياد ...رمق هاته الفتايات قائلا في سره " يا لكم من تعيسات ، غدا سأعود و في يدي أجمل حسناوات أوروبا ..لقد حصلت على شهادة جامعية و تعبت في الدراسة .. كانت هذه أوهام دارت هذه الأفكار برأسه.. أحس بأن شارعه أصبح أكثر ضيقا و قبحا، و أن جيرانه ليسوا من مستواه ؛ فلم يلقى عليهم بالتحية كما كان يفعل في السابق ، و صعد إلى منزله -أو لنقل غرفته – سريعا متواثبا ، كأنه في سباق مع ضربات قلبه المنفعل المتحمس... لم يجد أحدا من أهله بالداخل .. أحس بالارتياح لذلك .. لكن شعر بمدى ضيق المكان ؛ فقد كان لطوله يكاد يرتطم بالسقف ، و يكاد يجتاز الغرفه من أولها لآخرها بخطوة واحدة . و مع صغرها تشعر أنها مزدحمة .. أراد أن يعيش في جو من السعادة ، و أن يدخل البهجة على قلبه ؛ بمناسبة حصوله على جواز السفر... أدار التلفاز .. فإذا بخبر تحطم عبارة على سواحل ..... تضم شباب مصريين ، كما أوضح المسئول ........حول المؤشر عن القناة ، لم يكن يريد تشاؤم ... " أحلف بسماها و بترابها ... أحلف بدروبها و أبوابها .. أحلف .." يكفي هذا .. أغانى وطنية هذا ما ينقصنى " هكذا قال ..قناة أخرى فبلم عربى أم تودع ابنها المسافر و نحيب ..أخرى قتل و حروب .. و فجأة .. سمع صوت عويل و صراخ فى الشارع .. تقلص وجهه و تبدلت ملامحه ، ذهب لينظر من الشرفة فإذ بجنازة تلوح من بعيد ، و نساء متشحات بالسواد يلطمن الخدود .. نظر أمام شرفته فوجد قطة سوداء كبيرة تنظر له بغيظ ..أغلق النافذة سريعا ، و قال لنفسه لن أفسد فرحتى مهما حدث ، تنقل بين قنوات التلفاز .. تاريخ ، كرتون ,, حتى وصل إلى بغيته .. أغانى و أنغام صاخبة .. رفع من صوت هذه الأغانى لأقصي درجة و أخذ يتمايل و يرقص بطريقة هستيرية معها.. شعر بالهبووووط و أنه ينزل بلا قرار إلى أن وجد نفسه ، في بطن كائن عملاق ، ربما حوت عملاق ، و أنه داخل سجن من ضلوعه و أمامه هيئة المحكمة ... الصمت يسود المكان إلا من أنفاس الحوت ، و الإضائة الحمراء من أحشاءه .. لم يكن هناك محامين للدفاع ... كانت هيئة المحكمة كلها تهاجم فقط .. و كانت مكونة من الأعضاء الآتية : في المنتصف .. الذى يدير المحاكمة رجل من الفراعنة .. ربما أحمس و حوله محمد أبوتريكه ، عبدالحليم حافظ ، الدكتور مصطفى مشرفة ، و رجل أسود اللون لا أعرفه ، عرف نفسه أنه شهيد معركة رغيف الخبز مصر 2200 ، أخذ كل منهم يهاجم و يشرح قصة كفاحه و بطولته ... يتحدث أحمس عن الشمس التى كانت.... و ابوه ... يغنى عبد الحليم أغنية و يتحدث الكتور مشرفة بصوت هادىء.. "و ما دخلى أنا ما ذنبى أنا"تحدث صاحبنا في سره ... جاءت المدعى عليها .. سيدة بادية الطيبة اسمها مصر و تتحدث عنه و عن أخرى شقراء .. و تتناهى إلى مسامعه كلمات مثل هروب ... خيانة و يتحدث الجميع في صوت واحد .. و الضوضاء ملئت رأسه ، فأخذ الرئيس أحمس يدق بالمطرقة بشده ليصمت الجميع "هدوء"...فجأة أفاق ليجد نفسه ملقى على الأرض و رأسه تنذف دما لارتطامه بحافة السرير ، و ما أفاقه غير جاره الذى هتف به منذ نصف ساعة و أنا أدق الباب ماذا حدث بنى؟! إذا لم تكن هذه طرقات أحمس ، كان هذا الرجل أسود اللون له ملامح شهداء حروب رغيف الخبز...
تمت